عاجل
الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

التغير المناخي والحفاظ على التنوع البيولوجي..  التحدي الأكبر فى القرن الحادي والعشرين

وفاء سعد الشربيني باحثة أكاديمية
وفاء سعد الشربيني باحثة أكاديمية

في عالم مليء بالمتغيرات فى أفريقيا بل والعالم بأسره، يعتبر تغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي أحد أكبر التحديات التي نواجهها في عصرنا الحالي وفى مقدمة الأولويات التي لا بد من التصدي لها بجدية واهتمام. حيث يُسبب هذا التغير تراكم لغازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وتأتي هذه الغازات بشكل رئيسي من احتراق الوقود الأحفوري.



 

حيث تقوم هذه الغازات بتقييد ورفع درجة الحرارة فى الكوكب، مما يعطل التوازن الطبيعي لنظام المناخ الأرضي. ومن المتوقع أن تزداد سوءاً في المستقبل.

 

فوفقًا لأحدث تقرير صادر عن لجنة الحكومات بشأن التغيرات المناخية IPCC، فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد ارتفع بنحو 47% إلى جانب ارتفاع درجة حرارة المتوسط العالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ العصر الصناعي عما قبله، ومن الممكن أن تصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030 إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الحالية.

 

وسيكون لذلك آثار كارثية على صحة الإنسان والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي وموارد المياه والتنمية الاقتصادية.

 

ولهذا فإن التحديات التي نواجهها في مجال البيئة والتنوع البيولوجي تتطلب تعاونًا دوليًا وجهوداً مشتركة لتحقيق التغيير المطلوب. وعلى الرغم من صعوبة بعض الإجراءات، إلا أننا ملزمون بالعمل المشترك والتضامن، فالطبيعة تعطينا الحياة وهى المحيط الحيوى الذي نحيا فى كنفه بل وجزء لا يتجزء من هويتنا، ومن واجبنا الأخلاقي والإنساني الحفاظ عليها وصونها للأجيال القادمة من أجل عالم أكثر استدامة.

 

ولا شك تتيح لنا التقنيات والابتكارات الحديثة الفرصة لتطوير حلول مستدامة وذكية للحفاظ على الطبيعة والحد من تأثيراتنا السلبية عليها.

 

ولكن قبل ذلك، دعونا ننطلق معًا لاستكتشاف الأسباب الرئيسية لحدوث التغيرات المناخية والتي يجب أن تُزيد من وعينا حول خطورة الأمر. حيث يعتبر تغير المناخ تغيرًا طويل الأمد في نظام كوكبنا.

 

وعلى إثر ذلك قام العلماء بتحديد مجموعة من العوامل الطبيعية والبشرية التي تؤثر على المناخ، ولكن الأدلة الراسخة تشير إلى أن الأنشطة البشرية هي السبب الرئيسي للتغيرات المناخية المتفاقمة حاليا.

الأسباب الرئيسية لتغير المناخ:

 

تشمل العوامل البشرية المسببه للتغيرات المناخية، انبعاث غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من الأنشطة والممارسات البشرية وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون CO2 ، وأكسيد النتروز N2Oوأكسيد النيتروجين NOx والغازات الفلورية والتي تنتج من احتراق الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز الطبيعي لتوليد الطاقة والتدفئة وتلك الناتجة عن تشغيل وسائل النقل المتنوعة. هذا إلى جانب غاز الميثان CH4 الذي ينتج عن الزراعة وتربية الماشية نتيجة التخمر من خلال احتراق السماد وسوء إدارة النفايات الزراعية.

 

ليس ذلك فحسب بل الاحتباس الحراري نتاج طبيعي لاقتلاع الغابات، وقلة التشجير، حيث يعتبر التحضر من العوامل الرئيسية كنتاج للزيادة السكانية، والتنمية الاقتصادية، والهجرة من الأرياف إلى المدن وبالتالى زحف العمران وجلاء الطبيعة الخضراء من المدن والقرى والغابات، وهذا من أخطر العوامل التي تقلل من قدرة الأرض على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

 

كما أن التحضر يزيد من الطلب على الطاقة والنقل والبنية التحتية، مما يولد المزيد من الحرارة والنفايات. ووفقًا للأمم المتحدة، فقد ارتفعت نسبة السكان بالحضر عالميا من 751 مليون نسمة في عام 1950 إلى 4.2 مليار نسمة في عام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى 6.7 مليار نسمة بحلول عام 2050. ولا ننسى تزايد انطلاق ثاني أكسيد الكربون ايضا جراء أحتراق الأشجار أو تتحللها أيضا.

 

فوفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة FAO، فإن مساحة الغابات العالمية انخفضت بمقدار 178 مليون هكتار بين عامي 1990 و 2020، أى ما يعادل حجم ليبيا تقريبا.

 

بالاضافة الى الانبعاثات الناتجة من العمليات الصناعية المتعددة حيث تلوث الهواء بالأيروسول  aerosol pollution وهي جسيمات صغيرة أو قطرات تعكس أو تمتص الضوء الشمسي، وتؤثر على تكوين وخصائص السحب.

 

وهى نتيجة احتراق الوقود المتنوع والكتلة الحيوية مما يسبب تأثيرات مضاعفة فى برودة وأيضا حرارة الطقس، ، تبعًا لنوعها وحجمها وموقعها، ورغم أن تأثيرها ذو مدى قصير، حيث يتم إزالتها بسرعة من الغلاف الجوي بواسطة المطر أو الرياح.

 

إلا أن كل ما سلف من عوامل يغير من التوازن الطبيعي للنظام المناخى، حيث يحتفظ الغلاف الجوي ببعض الحرارة التي تشع من سطح الأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة العالم.

 

وبطبيعة الحال هناك عدد من العوامل الطبيعية التي تؤدى لتغير المناخ، مثل ثوران البراكين، والتغيرات وتقلبات الاشعاع الشمسى، والتغيرات المدارية، والصفائح التكتونية. وهذه العوامل تؤثر على كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض، بل وتوزيع الأراضي والمياه، وتركيب الغلاف الجوي.

 

ورغم ذلك فإن العوامل الطبيعية وإن اسهمت في التقلبات المناخية إلا أنها تكون قصيرة المدى وبطيئة التأثير ولا يتجلى هذا التأثير إلا على المدى الطويل والذي عادةً  ما يكون طفيفًا نسبيًا مقارنة بالعوامل التي يتسبب فيها الإنسان بأنشطته المتنوعة.

 

أما عن الأضرار والتأثيرات السلبية الناتجة عن تغيرات المناخ: 

معظم الاضرار تتركز فى  زيادة وتكرار وشدة الظواهر الجوية المتقلبة، مثل موجات الحرارة، والجفاف، والفيضانات، والعواصف، والحرائق البرية.

 

بالإضافة إلى  ارتفاع مستوى سطح البحر، وتآكل السواحل، وتسرب مياه البحر، مما يؤثر على الملايين من البشر الذين يعيشون في المناطق المنخفضة. ومن أخطر النتائج المترتبة على التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة ذوبان القمم والأنهار الجليدية القطبية، وتضررالتربة الدائمة، مما يقلل من توافر المياه العذبة ويهدد معيشة وحياة السكان الأصليين والمجتمعات المحلية فى تلك المناطق ومستقبليا قد تتعدى الاضرار لمناطق أبعد. والأضرار لا تتوقف عند ما سبق بل تصل إلى فقدان الشعاب المرجانية، والغابات، والأراضي الرطبة، وخللا كبيرا فى النظم البيئية حيث تغيير أنماط دوران المحيطات، مما يؤدي إلى تغييرات في أنظمة المناخ العالمية، مما يقلل من التنوع البيولوجي وفاعلية النظام البيئي للطبيعة الأم، الأمر الذي ينتج عنه أيضا زيادة خطر الأمراض المعدية، وسوء التغذية، ومشاكل التنفس، والضغط النفسي، والنزوح بسبب المخاطر المرتبطة بالمناخ.

 

تُظهر لنا الاحصائيات ومؤشرات تغير المناخ أنه لا يوجد دوله مُعفاة من آثاره، ولكن بطبيعة الحال بعضها أكثر تضررا من الأخر. ولقد كانت أكثر الدول تاثرًا وتضررا بتغير المناخ فى عام 2019 هما موزمبيق و زيمبابوي والبهاما، ووفقًا لمؤشر مخاطر المناخ العالمي لعام 2021، فقد عانت هذه الدول من إعصارات وفيضانات وعواصف مدمرة أسفرت عن أضرار واسعة النطاق وتشريد ووفيات. حيث تعرضت موزمبيق وزيمبابوي لإعصار إيداي، وهو واحدة من أسوأ الإعصارات الاستوائية على الإطلاق في إفريقيا، بينما واجهت البهاما إعصار دوريان، وهو أقوى إعصار تم تسجيله على الإطلاق في المحيط الأطلسي. أما عن بورتوريكو وميانمار وهايتي فقد كانوا الاكثر تضررا من التغيرات المناخية من عام 2000 إلى 2019، حيث شهدوا العديد من الأعاصير والفيضانات والزلازل والتي أسفرت عن العديد من الوفيات وفقدان سبل العيش بشكل مرتفع، فقد تعرضت بورتوريكو لإعصار ماريا عام 2017 والذي أدى لتدمير البنية التحتيه وأنقطاع الكهرباء بل وحدوث ازمة أنسانية كبيرة.

 

ولقد كان من الدول الأكثر تضررًا أيضا بنغلاديش وكينيا وباكستان وفقا لمجموعة البنك الدولى. حيث يواجهون تهديدات متعددة من جراء التغيرات المناخية، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر والجفاف والفيضانات وموجات الحر وغزو الجراد واضمحلال الأمن الغذائي. حيث كان ما يقرب من 75٪ من مساحة بنغلاديش تحت الماء في عام 2020 بسبب الأمطار الموسمية الغزيرة. كما تواجه كينيا أزمة ثلاثية تتمثل في تغير المناخ وما أعقب كوفيد من تدهور صحي بالأضافة إلى أزمة الغذاء، حيث تأثر الملايين من الأشخاص بأسوأ جفاف منذ أربعة عقود، وأسوأ غزو جراد منذ سبعة. كما عانت باكستان من أسوأ الفيضانات، حيث جلب موسم الأمطار الغزيرة العديد من الانهيارات الأرضية. ورغم كل ذلك، يُمثل تغير المناخ أيضًا فرصة للتعاون العالمي والابتكار والتحول. ولقد هدف اتفاق باريس الذي تم اعتماده في عام 2015 إلى تقليل ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون 2 درجة مئوية، ومفضلًا 1.5 درجة مئوية، بحلول نهاية القرن. لتحقيق هذا الهدف، قدمت الدول تعهدات بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز قدرات التكيف والمرونة. كما يدعو الاتفاقية إلى تعزيز الدعم المالي والتكنولوجي وبناء القدرات للدول النامية، خاصة الأكثر ضعفاً.

 

الحفاظ على التنوع البيولوجي في ضوء تغير المناخ:

 

يُعتبر التنوع البيولوجي، أي تنوع الحياة على سطح الأرض، أساسيًا لرفاهية الإنسان وصحة الحياة على الكوكب. هذا التنوع هو ما يتيح لنا الغذاء والماء والدواء والمواد والعديد من الفوائد الأخرى. كما أنه يساهم في تنظيم المناخ، من خلال امتصاص وتخزين الكربون، وعن طريق التخفيف من آثار الظواهر الجوية المتقلبة. وحيث أن التنوع البيولوجي يتعرض  لتهديد من عوامل متعددة، منها فقدان المواطن الطبيعية، وسوء اهدار الموارد بشكل مفرط، والتلوث، وانتشار الغازات، وتغير المناخ، الأمر الذي يؤثر على توزيع وكمية ووظيفة الأنواع والنظم البيئية، مما يغير تفاعلاتها وخدماتها ولهذا فإن فقدان وتضرر التنوع البيولوجى يقلل من قدرة الطبيعة على التكيف مع تغير المناخ، مما يخلق دائرة تدمير وضعف عالمية.

 

ووفقًا للمنصة الحكومية العلمية للسياسات بشأن التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية  IPBES، فمن المتوقع أن يصبح تغير المناخ السائد الذي يُقفد كوكبنا التنوع البيولوجي بحلول عام 2050، متجاوزًا سوء استخدام الأراضي، حيث تحذر المنصة أيضًا من أن ما يصل إلى مليون نوع مهدد بالانقراض، والكثير منها في غضون عقود، ما لم يتم اتخاذ إجراءات للحد من العوامل المسببة لفقدان التنوع البيولوجي. لذلك، الحفاظ على التنوع البيولوجي في ضوء تغير المناخ ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، ولكنه ضرورة استراتيجية أيضًا. من خلال الحفاظ على الطبيعة واستعادتها، يمكننا تعزيز مرونتها ومساهمتها في التصدي لتغير المناخ.

 

الحلول الممكنة لمواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على التنوع البيولوجى:

 

إن الحلول لتغير المناخ متنوعة ومتشابكة، وتتطلب تعاونًا ومشاركة فاعلة من جميع قطاعات المجتمعات عالميا، سواء على صعيد الحكومات والشركات وانطلاقًا للمجتمع المدني والأفراد. ويأت على رأس الحلول التي ستساعدنا في التغلب على تغير المناخ وأضراره من خلل بيولوجى، هو الانتقال والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة المائية والحيوية، وتحسين كفائتها للحفاظ على البيئة، إلى تعزيز وسائل النقل منخفضة الكربون، مثل السيارات الكهربائية والنقل العام وركوب الدراجات والمشي، وتقليل السفر الجوي والشحن البحري. ومن اهم الحلول أيضا ضرورة اعتماد ممارسات الزراعة الحديثة والحفاظ على الغابات بشكل مستدام، مثل الزراعة العضوية والزراعة المختلطة وإعادة التشجير، وتقليل هدر الغذاء واستهلاك اللحوم. كما يعد تنفيذ مبادئ الاقتصاد الأخضر والدائري، مثل التصميم البيئي وإعادة التدوير وإعادة الاستخدام والإصلاح، وتقليل أنماط الاستهلاك والإنتاج من اهم السبل لتعزيز الحفاظ على التنوع البيولوجى ومواجهة التغيرات المناخية، ذلك إلى جانب زيادة الوعي والتثقيف للشعوب والأفراد حول تغيرات المناخ، وتمكينهم لاتخاذ إجراءات من شأنها أن تقلل الاضرار البيئية وتسهم فى الحفاظ عليها.

 

 ووفقًا للأمم المتحدة، يمكن أن توفر الحلول القائمة على الطبيعة، مثل حماية واستعادة الغابات والمستنقعات والشعاب المرجانية، حتى 37% من التخفيف الذي يتطلبه تقليل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030. كما يمكن أن تساعد تلك الحلول الأفراد والمجتمعات على التكيف مع آثار تغير المناخ، من خلال تقليل مخاطر الفيضانات والجفاف والانهيارات الأرضية وموجات الحر.

 

وتشمل حلول التكيف على تحسين إدارة المياه وأنظمة الري وتعزيز الأمن الغذائي وتنوع المحاصيل، بل والعمل على الحد من مخاطر الكوارث واستخدام انظمة الإنذار المبكر وبناء البنية التحتية الملائمة والمستوطنات المقاومة للمناخ مما سيكون له نتائج إيجابية فى حماية واستعادة النظم والخدمات البيئية، بالإضافة إلى دعم عوامل التكيف للفئات الضعيفة والمهمشة، مثل النساء والأطفال والسكان الأصليين والمجتمعات الساحلية؛ وتعزيز التعلم الاجتماعي والبيئى وتعزيز الابتكار.

 

ومع ذلك، يتطلب الحفاظ على التنوع البيولوجي في ضوء تغير المناخ المزيد من الحلول الفاعله والناجزة. ولا يمكن إغفال الجهود التي يسعى لها المجتمع الدولى وعلى رأسه مصر حيث استضافت مؤتمر المناخ COP 27 فى شرم الشيخ فى عام 2022 فى محاولة جادة لطرح حلول تتلائم مع حجم المشكلة ولتعزيز تمويل العمل المناخى، حيث دعت مصر إلى ضرورة  الانتقال من مرحلة المفاوضات والنقاشات والتخطيط إلى مرحلة التنفيذ التي تُلزم باتخاذ إجراءات كاملة وشاملة وواسعة النطاق وفي الوقت المناسب على أرض الواقع.وذلك لأن الأمر يتطلب تحولات اجتماعية ومؤسسية، مثل تغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج، وتعزيز العدالة والمساواة، وتعزيز الحوكمة والتعاون، الأمر الذي يتطلب نهجًا شاملاً ومتكاملاً، يعترف بالترابط بين النظم البشرية والطبيعية، والقيم والفوائد المتعددة للتنوع البيولوجي. فهذا الأمر جزء أساسي من التعافي الأخضر والمرون بعد الجائحة، حيث حان الوقت الآن للتصرف من أجل الطبيعة، قبل فوات الأوان.  

 

باحثة أكاديمية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز